الحشود المليونية.. ثقافةُ أُمَّـة تصنعُ هُويتها من جديد

معين علي البخيتي

الحشود المليونية التي ملأت ساحات اليمن في ذكرى المولد النبوي الشريف لم تكن مُجَـرّد تجمع جماهيري، بل تجلي ثقافي حضاري يؤكّـد أن هذا الشعب يحمل مشروعًا ثقافيًّا متجددًا، يعيد صياغة هويته بعيدًا عن كُـلّ محاولات التغريب والتشويه.

ثقافيًّا، هذه الملايين أعلنت أن اليمنيين ليسوا مُجَـرّد شعب يعيش على هامش التاريخ، بل أُمَّـة تكتب هويتها بأقدامها وأصواتها ووعيها. اللون الأخضر الذي غطى الساحات، الأناشيد والقصائد، الكلمات والهتافات، كلها عناصر ثقافية أصيلة جسدت كيف يمكن للشعب أن يحوّل فعالية دينية إلى مهرجان حضاري عالمي.

لقد حاول الأعداء طيلة عقود أن يطمسوا ثقافة الشعب اليمني، وأن يغرسوا في وجدانه ثقافة الاغتراب والاستهلاك والانهزام. لكن ما حدث في ذكرى المولد النبوي كشف أن اليمنيين استعادوا ثقافتهم الأصيلة: ثقافة القرآن، ثقافة الوعي، ثقافة الانتماء للأُمَّـة وقضاياها.

هذه الحشود لم تكن مُجَـرّد أرقام، بل كانت درسًا ثقافيًّا للأجيال. جيل كامل تربى على أن الثقافة ليست حفلات هابطة، ولا أفكارا مستوردة، بل هي وعيٌ بالهوية، وارتباط بالرسالة، وانتماء للقُدوة الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ثقافيًّا، يمكن القول إن اليمن اليوم لا يعيش فقط حالة صمود عسكري وسياسي، بل يعيش نهضة ثقافية عميقة. نهضة تنعكس في وعي المجتمع، في وحدته، في شعاراته، في قدرته على تحويل كُـلّ تحدٍّ إلى فرصة لتعميق الانتماء.

إنها ليست مُجَـرّد حشود، بل مكتبة حيّة وثقافة متحَرّكة، تثبت أن اليمنيين يصنعون فنونهم وقصائدهم وهويتهم من قلب الساحات، وأن ثقافتهم الثورية والإيمانية باتت أقوى من كُـلّ محاولات التذويب.