كيف أصبح الاقتصاد اليمني مشروعًا وطنيًا للصمود والاستقلال؟
آخر تحديث 08-10-2025 13:03

في مواجهة أعنف العدوان والحصار الاقتصادي الذي شهدته البلاد، برز الاقتصاد اليمني كأداة وطنية للصمود والاستقلال، متجاوزًا عقودًا من التبعية والفساد والانهيار المؤسسي. لم يعد الاقتصاد مجرد أرقام وإحصاءات، بل أصبح ساحة مواجهة حقيقية بين إرادة الشعب وقدراته الذاتية من جهة، وأدوات التبعية والإفقار الممنهج من جهة أخرى. لقد كشف العدوان عن هشاشة الدولة السابقة، لكنه في الوقت ذاته أبرز الإمكانات الكامنة في المجتمع اليمني، وأكد أن التحول من الاعتماد على الخارج إلى الاكتفاء الذاتي ليس مجرد خيار استراتيجي، بل ضرورة وجودية للحفاظ على السيادة الوطنية واستمرار الحياة الاقتصادية والاجتماعية. هذه التجربة أثبتت أن الاقتصاد المقاوم يمكن أن يتحول إلى مشروع وطني شامل، يضع المواطن في قلب عملية البناء، ويجعل الإنتاج المحلي والاعتماد على الذات حجر الأساس لليمن الجديد، اقتصادًا يثبت أن الصمود والإبداع قادران على مواجهة التحديات الكبرى وتحويلها إلى فرص للنهضة الوطنية.

يمر الاقتصاد اليمني في هذه المرحلة بأحد أعقد التحولات في تاريخه الحديث، إذ يواجه تحديات متراكمة من حصار خانق وعدوان شامل، بعد عقود من التبعية الاقتصادية والسياسية والانهيار المؤسسي الذي أضعف قدرة الدولة على إدارة مواردها بشكل مستقل. قبل ثورة 21 سبتمبر 2014م، كان الاقتصاد اليمني يعتمد بشكل شبه كلي على الخارج، حيث سيطرت السياسات الموجهة من أطراف خارجية على مقومات الإنتاج المحلي، بينما غابت الدولة عن مسؤولياتها التنموية، وتحولت مؤسساتها إلى جهاز إداري هش يوزع المناصب والثروات ضمن شبكات مصالح ضيقة. كان القرار الاقتصادي مرهونًا بشروط المانحين الدوليين، ما زاد من التبعية وفقدان السيطرة على الموارد السيادية، وأدى إلى ركود مستمر مع تفشي الفساد المالي والإداري وضعف القطاعات الإنتاجية الحيوية، مثل الزراعة والصناعة المحلية.

مع اندلاع ثورة 21 سبتمبر، بدأ الشعب اليمني في استعادة قراره السياسي والاقتصادي، ما وضع البلاد في منعطف حاد، إذ اصطدمت الإرادات الوطنية بمراكز النفوذ الداخلي والخارجي التي لم تكن مستعدة للتخلي عن منظومة الفساد والوصاية. ورغم استقالة الحكومة وغياب التوافق السياسي، تمكن القائمون بأعمال الوزارات من إدارة مؤسسات الدولة لفترة انتقالية حرجة، مؤدين دورًا محوريًا في الحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات الإدارية والخدمية في ظل ظروف اقتصادية وأمنية صعبة. ومع بداية العدوان العسكري في مارس 2015م، تكشفت الحرب الشاملة على الإنسان والبنية التحتية والاقتصاد، مستخدمة الأدوات العسكرية والمالية لشل القدرة الوطنية وفرض التبعية.

بلغ العدوان الاقتصادي ذروته في سبتمبر 2016، حين أقدمت دول العدوان، عبر الرئيس المنتهية ولايته، على نقل وظائف البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن. لم يكن هذا الإجراء مجرد خطوة إدارية، بل شكّل سلاحًا اقتصاديًا موجّهًا لتجويع المواطنين وإحداث أزمة سيولة خانقة، وزيادة الانقسام النقدي والمالي بين المحافظات، ما أدى إلى تدمير المنظومة المصرفية الوطنية. وأسفر القرار عن توقف مرتبات مئات الآلاف من الموظفين، وتفاقم الانقسام بين الشمال والجنوب، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، بما أضعف القدرة على تسيير الحياة اليومية وجعل الدولة تواجه انهيارًا اقتصاديًا شاملًا.

في مواجهة هذا الواقع، برزت حكومة الإنقاذ الوطني كضرورة وطنية، لتشكل مظلة سياسية وإدارية قادرة على لملمة المؤسسات، وإعادة بناء آليات بديلة لإدارة الدولة، في ظل غياب أي دعم خارجي أو موارد مالية منتظمة. اعتمدت الحكومة على الإرادة الوطنية وثقة الشعب، بدلًا من الموارد المالية المحدودة، وبدأت بإعادة ترتيب الأولويات المالية، وابتكار أدوات محلية لتحصيل الموارد من القطاعات المتاحة، وتعزيز الرقابة على الإنفاق، وتقوية الجهاز الضريبي والجمركي، ومحاصرة مظاهر الفساد. وبالرغم من العدوان والحصار، تمكنت الحكومة من الحفاظ على تماسك المؤسسات الأساسية، وتأمين الحد الأدنى من الخدمات، وتحفيز المبادرات الشعبية في مجالات الزراعة والصناعات الصغيرة، مؤسِّسة بذلك مرحلة من الاقتصاد المقاوم القائم على الإنتاج المحلي والاعتماد على الذات.

مع تراكم الخبرة والوعي الوطني، ظهرت حكومة التغيير والبناء (12 أغسطس 2024)، التي مثلت مرحلة انتقالية من إدارة الأزمة إلى التخطيط لإعادة البناء على أسس أكثر استقلالًا وكفاءة. ركّزت الحكومة على تعزيز الاكتفاء الذاتي، وتحفيز الاستثمار الداخلي، وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي، ودعم الصناعات الوطنية والزراعة، والعمل على تحقيق الأمن الغذائي، وتقوية البنية التشريعية والإدارية للمؤسسات، ومأسسة الرقابة المالية، وترسيخ ثقافة النزاهة، بالتوازي مع إشراك المجتمع في صياغة الأولويات التنموية. وقد عملت هذه الحكومة في بيئة تتسم بالاستمرار في الحرب والحصار ونهب الموارد، لكنها اعتمدت على قدرة الشعب اليمني على الصمود والابتكار، مستفيدة من التجارب السابقة لإعادة بناء اقتصاد أكثر استقلالًا ومرونة.

لقد فرضت الظروف القاسية التي خلفها العدوان والحصار ضرورة التحول من التبعية إلى الاكتفاء الذاتي، ما كشف عن الإمكانات الكامنة في المجتمع اليمني وقدرته على الصمود والابتكار. أثبتت التجربة أن الاقتصاد المقاوم ليس مجرد رد فعل على العدوان، بل يمكن أن يتحول إلى مشروع وطني شامل يعيد صياغة علاقة المواطن بالدولة على أساس الشراكة والمسؤولية، ويؤسس لاقتصاد إنتاجي يستثمر الموارد المحلية لخدمة الداخل، لا لتغذية مصالح خارجية. فالاقتصاد اليمني اليوم يثبت أن التنمية الحقيقية لا تُستورد، بل تُصنع من قلب المعاناة، عبر تكاتف المجتمع المحلي، والمزارعين، والحرفيين، والتجار الصغار، والمبادرين، الذين ساهموا في صون الدولة واستمرارية الخدمات الأساسية.

اليمن، الذي حُرم من موارده وتعرض لحرب اقتصادية شاملة، استطاع أن يصمد ويعيد بناء نفسه من الداخل، مستندًا إلى إرادة شعبه، وقدرته على تنظيم نفسه اقتصاديًا بعيدًا عن المانحين وشروط الخارج. ومع التراكم المؤسساتي والسياسي الذي نتج عن ثلاث مراحل من الإدارة الحكومية في صنعاء، تتشكل اليوم ملامح اقتصاد يمني جديد يقوم على السيادة والكفاءة والإنتاجية، اقتصاد يعكس إرادة الشعب في استعادة استقلاله الاقتصادي والسياسي، ويضع الأسس لمستقبل أكثر استدامة، مبني على الذات والمبادرة الوطنية، وليس على الإغاثة والاعتماد الخارجي.

وعلى الرغم من استشهاد رئيس حكومة التغيير والبناء وبعض الوزراء في العدوان الصهيوني، وتكليف قائم بأعمال رئيس الوزراء والحكومة، يظل الواجب الوطني اليوم ملزمًا للجميع بالوقوف صفًا واحدًا مع حكومة التغيير والبناء، ودعم جهودها في استكمال مشروعها الوطني لإعادة بناء الدولة وتعزيز الاستقلال الاقتصادي والسياسي. فالصمود الوطني والاقتصاد المقاوم لا يكتملان إلا بتضافر جهود الدولة والمجتمع، وتجسيد روح الشراكة والمسؤولية، من أجل مستقبل اليمن الذي يستحق أن يكون سياديًا، منتجًا ومستدامًا.


مليشيا الانتقالي تدفع بقوات إضافية إلى المحافظة: شركة بترومسيلة تعلن التوقف عن العمل بسبب أحداث حضرموت
المسيرة نت| متابعات: أرسلت مليشيا الانتقالي المدعومة من الاحتلال الإماراتي اليوم تعزيزات عسكرية إضافية إلى خطوط المواجهة مع قبائل ما يسمى "حلف حضرموت" الموالية للاحتلال السعودي في هضبة حضرموت شرقي اليمن، حيث يخوض الطرفان مواجهات منذ أيام للسيطرة على المحافظة الغنية بالنفط.
نزال للمسيرة: الاستراتيجية الصهيونية "أرض بلا شعب" حوّلت التهجير من تصريحات إلى هدم المخيمات في الضفة
المسيرة نت| خاص: كشف الخبير بشؤون العدو الإسرائيلي، الدكتور نزار نزال، عن الاستراتيجية الصهيونية المركزية المتمثلة في "أرض بلا شعب"، مشيرًا إلى أنّ أحداث السابع من أكتوبر 2023م، قد "حرّكت الجمر الذي كان مغطى بالرماد"، ودفعت العدوّ الإسرائيلي لإظهار "أهدافه الحقيقية المتعلقة بالتهجير، والتي تحولت من مجرد تصريحات سياسية إلى هدم فعلي للمخيمات في الضفة الغربية".
البنتاغون توافق على صفقة معدات عسكرية للسعودية بمليار دولار
المسيرة نت| وكالات: أقرّت وزارة الحرب الأمريكية "البنتاغون" صفقة بيع جديدة لمعدات وبرامج تشغيلية عسكرية، بقيمة تصل إلى مليار دولار، للمملكة السعودية، التي تعتبرها واشنطن الحليف الرئيسي لها في المنطقة العربية بعد كيان الاحتلال الصهيوني.
الأخبار العاجلة
  • 02:42
    مصادر فلسطينية: مسيرات للعدو الاسرائيلي من نوع كواد كابتر تلقي قنابل على منازل المواطنين بمحيط مفترق السنافور بحي التفاح شرقي مدينة غزة
  • 02:33
    مصادر فلسطينية: قوات العدو تقتحم مدينة حلحول، وبلدة بيت أمر شمال الخليل جنوب الضفة الغربية
  • 02:32
    مصادر فلسطينية: قوات العدو تقتحم ساحات مستشفى الهلال الاحمر التخصصي في الخليل جنوب الضفة الغربية
  • 02:32
    مصادر لبنانية: مسيّرة للعدو الإسرائيلي من نوع "كواد كوبتر" تلقي عبوات متفجرة على أحد المباني قيد الانشاء في بلدة عيترون
  • 01:36
    وزارة الحرب الأمريكية: الموافقة على صفقة محتملة مع السعودية تشمل برنامج تدريب شامل ومعدات مرتبطة به بقيمة 500 مليون دولار
  • 01:36
    وزارة الحرب الأمريكية: الموافقة على صفقة محتملة مع البحرين لدعم جاهزية مقاتلات "F-16" ومعدات ذات صلة بقيمة 445 مليون دولار
الأكثر متابعة