• العنوان:
    30 نوفمبر.. من جلاء الاستعمار إلى هيمنة النفوذ الإقليمي
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    يُصادف يوم الثلاثين من نوفمبر من كُـلّ عام ذكرى خروج آخر جندي بريطاني من مدينة عدن عام 1967، بعد احتلال دام أكثر من قرن وربع القرن، منذ أن وطأت القوات البريطانية أرض الجنوب في عام 1839.. لم يكن هذا اليوم مُجَـرّد انسحاب عسكري، بل كان تتويجًا لمسيرة طويلة من النضال الوطني الذي بدأ بثورة الرابع عشر من أُكتوبر 1963 في جبال ردفان، حَيثُ انطلقت شرارة المقاومة ضد الاستعمار، لتتوسع لاحقًا وتشمل مختلف مناطق الجنوب.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

لقد قدّم أبناء اليمن تضحياتٍ جسيمةً في سبيل الحرية، وسقط آلاف الشهداء والجرحى، حتى تحقّق النصر ورُفع علم الاستقلال فوق سماء عدن.

ومنذ ذلك الحين، أصبح "عيد الجلاء" رمزًا للتحرّر والسيادة الوطنية، يُحتفل به رسميًّا وشعبيًّا؛ باعتبَاره محطة تاريخية فارقة في مسيرة اليمنيين، وخُصُوصًا أبناء الجنوب الذين عانوا من الاستعمار المباشر.

هذا اليوم يذكّر الأجيال الجديدة بأن الحرية لم تكن منحة، بل انتُزعت بدماء المقاومين وإصرارهم على استعادة الأرض والكرامة، كما أنه يمثل لحظة وحدة وطنية.

الجنوب اليوم: بين أزمات الداخل وظلال النفوذ السعوديّ الإماراتي

بعد مرور أكثر من خمسة عقود على الاستقلال، يعيش الجنوب اليمني اليوم واقعًا مختلفًا تمامًا.

فبدلًا من الاستقرار والسيادة، يواجه الجنوب أزمات سياسية واقتصادية وأمنية عميقة، وسط نفوذ سعوديّ وإماراتي متزايد، يُنظر إليه من قبل كثير من الجنوبيين كـ"احتلال جديد" يقيّد القرار الوطني.

تتمثل أبرز مظاهر هذا النفوذ في السيطرة على الموانئ والجزر الاستراتيجية، مثل سقطرى وميون، إضافة إلى التدخل المباشر في تشكيل القوى السياسية والعسكرية داخل الجنوب.

لقد أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيًّا، لاعبًا رئيسيًّا في المشهد، بينما تحتفظ السعوديّة بوجود عسكري وسياسي مؤثر، ما جعل الجنوب ساحة لتقاطع المصالح الإقليمية أكثر من كونه فضاءً لسيادة وطنية مستقلة.

إلى جانب ذلك، يعاني المواطنون من أزمة إنسانية خانقة، حَيثُ يعيش معظم السكان تحت خط الفقر، ويعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء.

كما أن الخدمات الأَسَاسية، مثل الكهرباء والمياه والصحة، تكاد تكون منهارة، فيما تتزايد البطالة والهجرة الداخلية والخارجية بشكل مقلق.

هذا الواقع جعل من ذكرى الجلاء مناسبة تحمل مفارقة مؤلمة؛ ففي الوقت الذي يحتفل فيه اليمنيون بذكرى طرد الاستعمار البريطاني، يجد الجنوب نفسه اليوم تحت نفوذ قوى إقليمية تتحكم في مصيره السياسي والاقتصادي، وتفرض أجنداتها على حساب تطلعات الشعب.

تصف كثيرٌ من الأصوات الوضعَ بأنه "تحرٌّر من احتلال قديم إلى احتلال جديد"؛ وهو ما يعكس حجم الإحباط الشعبي من غياب مشروع وطني جامع يعيد للجنوب استقلاله الفعلي.

ومع استمرار الحرب في اليمن وتعثر جهود السلام، يبدو الجنوب في مفترق طرق: إما أن ينجح في استعادة قراره الوطني وبناء دولة مستقرة، أَو أن يبقى رهينة للتدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية التي تهدّد مستقبله.

يظل عيد الجلاء رمزًا خالدًا للتحرّر الوطني، لكنه في الواقع الراهن يطرح سؤالًا جوهريًا: هل يمكن للجنوب أن يستعيد استقلاله الحقيقي في ظل النفوذ السعوديّ والإماراتي؟ وبين ذاكرة التحرّر وتحديات الحاضر، يبقى الجنوب اليمني بحاجة إلى مشروع وطني يعيد له سيادته، ويحقّق تطلعات أبنائه في الحرية والكرامة، بعيدًا عن هيمنة الخارج وصراعات الداخل.

خطابات القائد