ناجي علي الرباعي

إن الحديث عن القاضي الشهيد مجاهد أحمد عبد الله –غفر الله له– هو حديث عن رجل جمع بين نصرة الحق في محراب القضاء، والتضحية والفداء في ميادين الجهاد.

تشرفتُ بالتعرف إليه بعد تعيينه وزيرًا للعدل، وذلك من خلال تكليف من وزير الزراعة ورفيق دربه الشهيد الدكتور رضوان علي الرباعي – رحمهما الله – أثناء متابعتي لمطلب إنشاء محكمة قضائية متخصصة للنظر في قضايا الزراعة والموارد المائية والبيئة، وهي قطاعات حيوية تمُسُّ أمنَ اليمن الغذائي والصحي.

كان – رحمه الله – مثالًا في التواضُع والخلق الرفيع، متجردًا من الكبر، مخلصًا في عمله، مؤمنًا برسالته، حريصًا على خدمة الناس.

وقد تجلَّى ذلك في استماعه المباشر، وتواصُلِه الحكيم مع الكوادر، وتفانيه في تيسير شؤون العمل العام.

لقد جسّد في سلوكه معنى القاضي الخادم لشعبه، الساعي إلى تحقيق العدالة؛ باعتبَارها أَسَاس الاستقرار وركيزة الحكم الرشيد.

لم يكن اهتمامه القضائي منفصلًا عن هموم المجتمع الصحية والاجتماعية؛ فقد أدرك أن تحقيق العدالة في قضايا الزراعة والبيئة يمثل خط الدفاع الأول عن سلامة المجتمع، وحماية اليمن من الأخطار الصحية والاقتصادية الناجمة عن التهريب الزراعي، والاستنزاف العشوائي للموارد المائية، والمخالفات البيئية المتراكمة.

وكان يرى أن تراكم مثل هذه القضايا في المحاكم العامة يعطل إنصاف المظلومين، ويشجع المخالفين، ويزيد من حدة الأزمات.

ومن هذا المنطلق، كلّفني بإعداد دراسة قانونية وفنية متكاملة لإنشاء محكمة ونيابة مختصة.

وقد أحال الدراسة إلى رئيس المكتب الفني بوزارة العدل القاضي/ خالد البغدادي، ووجه بالتشاور مع المكتب الفني.

وبعد ثلاثة أَيَّـام من النقاش المستفيض، خرجت الدراسة بصيغتها النهائية، ليتم رفعها إلى مجلس القضاء الأعلى، الذي أصدر قراره التاريخي بإنشاء المحكمة والنيابة الزراعية والموارد المائية والبيئة.

كان ذلك إنجازًا نوعيًّا في مسيرة القضاء اليمني، وخطوة مهمة لتعزيز العدالة وحماية المجتمع، وخدمة للقطاع الزراعي بما يواكب التوجّـه نحو الاكتفاء الذاتي.

لقد ترك الشهيد بصمة خالدة في سجل العدالة اليمنية، وخاتمة مشرّفة بحصوله على وسام الشهادة وهو في أوج عطائه، مدافعًا عن قضايا الأُمَّــة المصيرية، وفي مقدمتها فلسطين والتصدي للعدوان الصهيوني الغاشم.

{رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}.

* مدير عام الشؤون القانونية باللجنة الزراعية